اَلسَّلَامُ
عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ
اَلْحَمْدُ
ِللهِ...
اَلْحَمْدُ
ِللهِ الَّذِى اَرْسَلَ الرُّسُلَ عَلَى النَّاسِ لَهُمْ رَحْمَةً
وَالَّذِى
اَمَرَ الْمُسْلِمِيْنَ بِالْعِبَادَةِ لَهُ طَاعَةً
فَاَعْطَى
عَلَى الْمُطِيْعِيْنَ الْمُخْلِصِيْنَ أَجْرًا لَهُمْ وَمَغْفِرَةً
اَللّٰهُمَّ
صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ...
صَلِّ
وَسَلِّمْ عَلَيْهِ الَّذِى اُرْسِلَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِيْنَ
فَبِالْهُدَى
الَّذِى اُنْزِلَ عَلَيْهِ عَلِمْنَا أَنَّمَا اللهُ إِيَّاهُ نَسْتَعِيْنُ
فَلَعَلَّنَا
دَائِمًا اَبَدًا عَلَى الْإِيْمَانِ وَالْإِسْلَامِ مُتَمَسِّكِيْنَ.
أَمَّا بَعْدُ فَفِى هٰذَا الْمِنْبَرِ، أُرِيْدُ أَنْ أُحَيِّ تَحِيَّةً إِلَى فَضِيْلَةِ جَمِيْعِ الْحَاضِرِيْنَ فِى هٰذَا الْمَجْلِسِ الْعِلْمِيِّ، الَّذِيْنَ قَدْ بَذَلُوْا مِنْ وَسْعَتِهِمْ فِى السَّعْيِ عَلَى اِنْتِشَارِ الْعِلْمِ، اَجَّرَ اللهُ إِيَّايَ وَإِيَّاكُمْ بِمَا عَمِلْنَا سَعْيًا مُهِمًّا. وَفِى هٰذِهِ الْمُنَاسَبَةِ، أُرِيْدُ أَنْ أُلْقِيَ مُحَاضَرَةً قَصِيْرَةً تَحْتَ الْمَوُضُوْعِ: أَهَمِّيَّةُ دِرَاسَةِ الْثَّقَافَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْعُلْيَ.
أَيُّهَا
الْحَاضِرُوْنَ...
إِذَا كَانَتْ دِرَاسَةُ أَيِّ عِلْمٍ
مِنَ الْعُلُوْمِ، تُؤَدِّيْ إِلَى تَرْقِيَّةِ مَشَاعِرِ الْفَرْدِ، وَتَنْمِي
مَدَارِكَهُ، وَتَفْتَحُ أَحَاسِيْسَهُ، وَتَصْقِلُ مَوَاهِبَهُ، وَتَزِيْدُ فِي
حَرَكَتِهِ وَنَشَاطِهِ الْفِكْرِيِّ، فَيُؤَدِّي كُلُّ ذٰلِكَ إِلَى إِحْدَاثِ
تَفَاعُلٍ ذَاتِيّ دَاخِلَ النَّفْسِ، الَّتِي تَتَلَقَّى هٰذَا الْعِلْمَ
وَتَقُوْمُ بِتِلْكَ الدِّرَاسَةِ، مِمَّا يَجْعَلُهَا تَنْطَلِقُ إِلَى آفاَقٍ
جَدِيْدَةٍ، وَتَحْصِلُ عَلَى مَعَارِفَ وَحَقَائِقَ عِلْمِيَّةٍ، لَمْ تَكُنْ
قَدْ عَرَفَتْهَا مِنْ قَبْلُ.
إِذَا كَانَ هٰذَا كُلُّهُ، يُمْكِنُ
أَنْ يَطْبَقَ عَلَى أَيِّ عِلْمٍ يَتَلَقَّاهُ اْلإِنْسَانُ، فَكَيْفَ بِهِ إِذَا
كَانَ هٰذَا الْعِلْمُ الْمُتَلَقِّى، وَهٰذِهِ الدِّرَاسَةُ الَّتِي يَقُوْمُ
بِهَا، تَتَعَلَّقُ بِعِلْمِ وَثِيْقِ الصِّلَةِ بِكِيَانِ الْفَرْدِ،
وَشَخْصِيَّتِهِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَمَاضِيْهِ الْمَجِيْدِ، وَتُرَاثِهِ
التَّلِيْدِ... كَعِلْمِ الثَّقَافَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ؟
هٰذِهِ الثَّقَافَةُ الَّتِي هِيَ فِي
حَقِيْقَتِهَا، الصُّوْرَةُ الحَّيَّةُ لِلْأُمَّةِ الْمُسْلِمَةِ، فَهِيَ الَّتِي
تُحَدِّدُ مَلَامِحَ شَخْصِيَّتِهَا، وَبِهَا قِيَامُ وُجُوْدِهَا، وَهِيَ الَّتِي
تَضْبُطُ سَيَّرَهَا فِي الْحَيَاةِ. تِلْكَ الثَّقَافَةُ الَّتِي تَسْتَمِدُ
مِنْهَا أَسَسَ عَقِيْدَتِهَا، وَعَنَاوِيْنَ مَبَادِئِهَا، الَّتِي تَحْرُصُ
عَلَى التَّحَلِّي بِهَا، وَالْمَفَاخِرَةِ بِهَا بَيْنَ اْلأُمَمِ.
إِنَّ الثَّقَافَةَ اْلإِسْلَامِيَّةَ،
هِيَ الَّتِي تُحَدِّدُ نِظَامَ الْحَيَاةِ دَاخِلَ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ،
وَتَحُثُّ عَلَى اِلْتِزَامِهِ، وَفِيْهَا تُرَاثُ الْأُمَّةِ الَّذِي تَخْشَى
عَلَيْهِ مِنَ الضِّيَاعِ وَالْاِنْدِثَارِ، وَفِكْرُهَا الَّذِي تُحِبُّ لَهُ
الذُّيُوْعَ وَالْاِنْتِشَارَ .
أَيُّهَا الْحَاضِرُوْنَ...
مِنْ هٰذَا كُلِّهِ، بَرَزَتْ
أَهَمِّيَّةُ دِرَاسَةِ عِلْمِ الثَّقَافَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ. هٰذَا الْعِلْمُ
الَّذِي هُوَ أَثِيْرُ النَّفْسِ الْمُسْلِمَةِ، إِذْ بِهِ تَتِمُّ الصِّلَةُ
بَيْنَ كُلِّ جَوَانِحِ الْإِنْسَانِ الْمُسْلِمِ، عَقْلِهِ وَقَلْبِهِ
وَفِكْرِهِ. وَبِهِ يَرْبُطُ الْمُسْلِمُ بَيْنَ مَاضِيْهِ الزَّاهِرِ،
وَحَاضِرِهِ الْقَلَقِ، وَمُسْتَقْبَلِهِ الْمَنْشُوْدِ. إِنَّهُ فِي
أَقْرَبِ أَهْدَافِهِ الْكَثِيْرَةِ، يُزَوِّدُ الْعُقُوْلَ بِالْحَقَائِقِ
النَّاصِعَةِ عَنْ هٰذَا الدِّيْنِ، وَسَطَ ضَبَابٍ كَثِيْفٍ مِنْ أَبَاطِيْلٍ
وَشِبْهِ الْخُصُوْمِ. وَيُرَبِّى فِي الْمُسْلِمِ مِلْكَةَ النَّقْدِ الصَّحِيْحِ،
الَّتِي تُقَوِّم الْمَبَادِئَ وَالنِّظَمَ تَقْوِيْماً صَحِيْحاً. وَتَجْعَلُ
الْمُسْلِمَ يُمَيِّزُ فِي نَزَعَاتِ الْفِكْرِ وَالسُّلُوْكِ بَيْنَ الْغَثِّ
وَالسَّمِيْنِ، فَيَأْخُذُ النَّافِعَ الْخَيْرَ، وَيَطْرَحُ الْفَاسِدَ الضَّارَّ.
أَيُّهَا الْحَاضِرُوْنَ...
تَتَجَلَّى الْأَهَمِّيَّةُ
لِلثَّقَافَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي الْأُمُوْرِ التَّالِيَةِ:
(1) تَوْضِيْحُ الْأَسَاسِيَّاتِ
الَّتِي تَقُوْمُ عَلَيْهَا الثَّقَافَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ .
(2) تَأْثِيْرُ الثَّقَافَةِ
الْإِسْلَامِيَّةِ فِي الشُّعُوْبِ الْمُسْلِمَةِ .
(3) تَفَاعُلُ الْمُسْلِمِ مَعَ
مَبَادِئِهِ وَقِيَمِهِ .
(4) بَيَانُ الْاِزْدِهَارِ
الْحَضَارِيِّ لِلْأُمَّةِ اْلإِسْلَامِيَّةِ .
(5) بَيَانُ الْأَدْوَاءِ الَّتِي
حَلَّتْ بِالْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ .
(6) بَيَانُ دَوْرِ الثَّقَافَةِ
الْإِسْلَامِيَّةِ فِي الْعَصْرِ الْحَدِيْثِ وَمَا تَقَدَّمَهُ لِلْإِنْسَانِ
الْمَعَاصِرِ.
وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّنَا
نُؤَكِّدُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ إِنْ لَمْ تَقُمْ دِرَاسَةُ الثَّقَافَةِ
الْإِسْلَامِيَّةِ بِشَكْلٍ جَادٍ وَدَقِيْقٍ، فَسَيَكُوْنُ ذٰلِكَ سَبَبًا فِى
اهْتِزَازِ صُوْرَةِ الْأُمَّةِ فِى نَظْرِ الْآخَرِيْنَ. بَلْ سَيَمْتَدُّ
الْأَمْرُ إِلَى أَنْ تَتَخَلَّى الْأُمَّةُ عَمَّا يُمّيِّزُهَا، وَيُزِيْلُ
سِمَاتَهَا الَّتِى تَتَمَيَّزُ بِهَا بَيْنَ الْأُمَمِ وَالثَّقَافَاتِ
الْأُخْرَى، فَيَجْعَلُهَا تَابِعَةً بَعْدَ أَنْ كَانَتْ فَائِدَةً. بَلْ...
سِيَصِلُ الْأَمْرُ بِالْأُمَّةِ إِنْ
لَمْ تَهْتَمْ بِثَقَافَتِهَا وَتَتَعَلَّمْهَا وَتَعْلَمْهَا بِالشَّكْلِ
الصَّحِيْحِ وَالدَّقِيْقِ، إِلَى الْاِضْمِحْلَالِ ثُمَّ الزَّوَالِ (لَا سَمَحَ
اللهُ). وَهٰذِهِ هِىَ الْكَارِثَةُ الَّتِى تَخْشَى كُلُّ أُمَّةٍ حَيَّةٍ أَنْ
تَحَلَّ بِهَا.
أَيُّهَا الْحَاضِرُوْنَ...
إِنَّ الثَّقَافَةَ الْإِسْلَامِيَّةَ
فِى حَقِيْقَتِهَا، لَا تَعْنِى عِلْمًا بِعَيْنِهِ مِنَ الْعُلُوْمِ
الْإِسْلَامِيَّةِ. وَلٰكِنَّهَا تَعْنِى عُلُوْمَ الْإِسْلَامِ كُلَّهُ، فِى
عَرَضٍ وَاضِحٍ وَإِيْجَازٍ بَلِيْغٍ. وَلِذٰلِكَ نَقُوْلُ، إِنَّ الثَّقَافَةَ
الْإِسْلَامِيَّةَ، قَدْ خَلَّفَتْ تُرَاثًا ضَخْمًا فِى مُخْتَلِفِ فُرُوْعِ
الْمَعْرِفَةِ. عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَكُوْنَ مُلِمًّا بِهٰذِهِ الْمَعَارِفَ،
الَّتِى كَوَّنَتْهَا وَخَلَّفَتْهَا الْحَيَاةُ الإِسْلَامِيَّةُ عَلَى مَدَى
قُرُوْنٍ عَدِيْدَةٍ، وَالَّتِى دَبَجَتْ ضِمْنَ سِلْسِلَةٍ مِنَ الْكُتُبِ،
الَّتِى تَتَنَاوَلُ هٰذِهِ الْمَعَارِفَ فِى مَجَالَاتِ الدِّرَاسَاتِ
الْإِنْسَانِيَّةِ أَوِ الْعِلْمِيَّةِ، عَرَضًا لِهٰذِهِ الثَّقَافَةِ، أَوْ
إِشَادَةً بِتَأْثِيْرِهَا الْحَضَارِيِّ.
يَا
أَيُّهَا الْحَاضِرُوْن َالْمَحْبُوْبُوْن...
أَكْتَفِى
هٰذَا الْكَلَامَ بِطَلَبِ الْمَغْفِرَةِ مِنَ اللهِ إِيَّايِ وَإِيَّاكُمْ. هٰذَا
الْكَلاَمُ إِنَّمَا هُوَ إِجَابَةٌ لِأَمْرِ التَّوْصِيَّةِ مِنَ اللهِ. فَلاَ
تَأْخُذُوْ مِنِّيْ إِلاَّ الْخَيْرَ. بَارَكَ اللهُ لِيْ وَلَكُمْ بِمَا قَدْ
عَمِلْنَا مِنْ سُنَّةِ الْمَجْلِسِ الْعِلْمِيِّ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابَ.
وَالسَّلاَمُ
عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar